الأحد، 5 مايو 2013

01) حياة جديدة \ بقلم آمنة عمر امغيميم


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

حيــــــــــــــــــاة جــــــديــــــــــــدة



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

وصلت إلى روما في ساعة متأخرة من الليل لا أذكرها.
كانت أول مرة في حياتي أركب فيها شيئاً اسمه " طائرة " .. و كانت الأحاسيس تتضارب بين معدتي المتقلبة وقلبي الذي على ما ما بدا لي كان يغير مكانه بين نبضة و قبضة .. كل شيء كان يبدو كالحلم الوردي بل كان حلماً وردياً بكل تأكيد ..
أنا في طريقي إلى روما حيث يعيش زوجي و حيث سأعيش حياتي و أحقق كل أحلامي ابتداء من هذا الحلم ألا و هو ركوب الطائرة .. مرت الساعات في صمت عميق و تأمل أعمق. المظيفات الجميلات بلباسهن الأنيق و حركاتهن المدروسة بدقة فائقة .. كلماتهن القليلة الجميلة المصحوبة بابتسامات زائفة لكنها وامضة مشرقة ..
و المسافرون ذوو الأحلام مثلي في تأمل لا يقل عمقاً عن تأملاتي .. يلتفتون يميناً و يساراً و يدققون في كل حركة و يستفسرون عن أتفه الأشياء ..
الطائرة كانت معبقة بنكهة مميزة تحضرني كلما رأيت أو سمعت صوت طائرة ..
حطت الطائرة في مطار روما في غير الساعة التي أعلن عنها في بداية الرحلة و لم يكن يهمني من هذا التأخير شيء فساعتان أو ثلا ث ساعات لن يغيرن من الحلم فصلاً و لا لوناً و لا شكلاً ..ما كان يهمني هو عناق الحياة الجديدة التي تركت من أجلها كل حياتي في ركن من أركان وطني الحبيب
أوروبا ..!! أو بالأحرى روما ..!!
بنايات شاهقة و ناطحات السماء ..!!
شوارع طويلة عريضة متلألئة
تعج بكل وسائل النقل و باللإيطاليين ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء و الشعور الصفراء..!!
نقاء و صفاء هنا و هناك..!!
هذا ما يفترض أن أجده في هذه الحياة الجديدة ..
ركبت السيارة بصحبة زوجي الذي وجدته في الانتظار و نجيمات الفرح تتطاير من وجهه الجميل السموح .. و بدأت رحلة أخرى بالعرض البطيء نحو بيت الزوجية .. لم أرَ البنايات الشاهقة و لا ناطحات السماء بل بنايات لا تتجاوز ثماني طوابق في علوها , و كلها مصبوغة باللون الأحمر الطيني تماماً مثل مدينة مراكش المغربية .. لم أرَ شوارعاً متلألئة تعج بالسيارت و لا المارة أصحاب العيون الزرقاء بل قليلون هم أولئك الذين يمشون على الرصيف يشبهوننا نحن العرب .. بشرة " قمحية " و عيون و شعور سوداء .. أما النقاء و الصفاء فتلك الصدمة العظمى .. الإيطاليون سمعوا عن شيء اسمه الرفق بالحيوانات فاهتموا بتربية الكلاب بمختلف أنواعها و ليرفقوا بها فإنهم يخرجونها كل صباح لتملأ شوارع و أزقة المدينة بما تيسر من فضلاتها .. دون اهتمام بالبيئة التي يختلط جمالها بمخلفات الكلاب و الروائح الكريهة ..
دخلت بيتي كما أوصتني والدتي الغالية مقدمة رجلي اليمنى ومرددةَ لبعض الدعاء و السور القرآنية و كلي أمل في بيت أوروبي يختلف عن بيت العائلة الذي نسجت فيه كل خيوط حياتي الهادئة و المشاكسة في نفس الوقت .. لكنني فتحت عيني على منزل صغير من غرفتين و مطبخ و حمام و بعض الأثاث أو ما كان يسميه زوجي " الضروريات " .. حينها لبسني الحنين إلى بيت العائلة الكبير .. غرف عديدة و مطبخ كبير و حمامان و متاع كثير كثير كثير ..و الأهم من ذلك سطح البيت الذي كنت أختبأ فيه كلما ضاقت بي الدنيا و رغبت في عناق وحدتي التي لم تخني قط ..
لم أستطع أو بالأحرى لم أشأ أن أظهر لزوجي خيبة الأمل التي أصابتني في تلك اللحظات .. ففرحته بوصولي كانت كبيرة و لم يكن الوقت مناسباً للتحدث عن حلم اغتصب قبل الولادة .
مع مرور الأيام و السنين تعلمت أن أحب هذا العالم الذي احتضنني .. ألفته و ألفني .. اعتدت عليه و اعتاد علي .. لم أستطع تغيير لون البنايات و لا تنظيف الشوارع و الازقة و لا تغيير لون بشرة الناس .. لكنني استطعت استبدال بيتي الصغير ببيت آخر أكبر تتشابك في أشعة الشمس و يلعب في شساعته أولادي دون خوف عليهم من الاصطدام بحائط أو كرسي ..
استطعت أن أكوّن عالمي الصغير المليء بالأصدقاء و الجيران من مختلف الجنسيات و وجدت لنفسي عملا يناسب كفاءاتي وحققت فيه ذاتي و استقلاليتي ..
و هذه كانت كل أحلامي الوردية إلى جانب الإنسان الذي أحببته و اخترته شريكاً لحياتي ..


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

آمنة عمر امغيميم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق