الاثنين، 13 مايو 2013

موعد مع الموت \ قصة قصيرة بقلم آمنة عمر امغيميم



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

اتكأت “رحاب” على شجرة أحزانها
كعادتها في نهاية كل يوم
عناءٍ و شقاءٍ و محنة
وجهها المستدير ، تعاقبت عليه آثار الزمن الغالب في كل الأحيان و المواقف .. حتى عيناها السوداوتان اللتان كانتا مظللتين بخطوط متشابكة من الرموش الناعمة أصبحتا ذابلتين ناعستين يثقلهما العزوف و الاشمئزاز. و تلك اليدان الناعمتان اللتان طالما رغبتا في لمس أشياء حريرية ومداعبة نعومة الحياة .. بلغ منهما التشقق و التآكل كل الأبعاد .
موعدها مع الشجرة كموعدٍ مع الموت ، حيث لا تحضرها إلا ذكريات ماضٍ محبوس في زنزانة الكآبة و الآلام
صراعها مع هذه الذكريات أقوى و أشد من صراعها مع صعوبات الحياة و تقلباتها ..
لأن بطلة الذكريات هي أمها التي يُفترض أن تكون مركز كونها .. يفترض أن تكون ذكرى جميلة تخفف ثقل عبء الحياة
و يفترض أن تكون بلسماً لكل الجراح و كل الخدوش .. لكن صوت الغضب بدواخلها كطنين النحل المتمرد , يتكرر على مسامعها و لا يتوقف .. يخبرها كم كانت الحياة مع أمها جحيماً تتعالى فيه ألسنة اللهب لتجعل من كل لحظة من لحظات العمر رماداً مدكوكاً في شرايينها كما يدك التراب في الجب .. لم تفهم ” رحاب ” سبب هذا الكره الذي كانت تحمله أمها في قلبها و كانت تغذيه كل يوم بالعتاب و اللوم و كل أنواع الشتائم .. كيف يمكن لأم أن تكره ابنتها و تتركها على الهوامش كشيء من عدم ..؟؟ كيف يعقل أن ينعدم كل إحساس جميل و شعور دافء نبيل بين أم و فلذة كبدها ..؟؟
هذه هي الأسئلة التي كانت تقتل كل ذرة في جسد هذه الفتاة الضائعة بين الماضي الأليم , و هذا الواقع الذي تغيب فيه ” الأم ” و لا تحضر فيه إلا صورتها و هي في أبشع حالاتها النفسية ..
من المؤكد أن الأسباب كانت كثيرة و لكنها لن تكون مقنعة و مقبولة .. فلا شيء في هذه الحياة متقلبة الأحوال يمكنه أن يحول قلب أم إلى قطعة من صخر جامد .. الأم هي نبع الحب و الحنان الفياض الذي لا يجف و لا يتلاشى .. هي السند و الكتف الدافء الذي لا يتعب و لا يكلّ .. هي الصدر الرحب الذي يسع كل الدنيا و لا يضيق ..
كانت ” رحاب ” تلوذ إلى كل هذا و لكنها كانت تعرف في قرارة نفسها أنها لن تنال منه شيئاً .. فتركت للأحزان كل المجالات لتستنزف قواها و تسلب ابتسامتها و تفقدها الرغبة في متابعة مسيرة حياتها في سكينة و طمأنينة ..
اختارت هذه الشجرة اليتيمة كما هي يتيمة روح ” رحاب ” لتعيش معاه لحظات الأسف و البكاء المرير .. غير مدركة أن أنفاسها تُلفظ شيئاً فشيئاً تحت هذه الفروع المتشققة الباهتة .
ويستمر شريط هذه المعاناة في الانسراب و كأن الفتاة تبحث عن نهاية مجهولة لكنها قاسية و مؤلمة .. نعم .. نهاية مؤلمة .. ذهب معها الوجه الشاحب و اليدان المتشققتان .. و انطفأ معها وميض العينان السوداوتان .. و لم يبق تحت تلك الشجرة الكاظمة إلا جسد نحيل هامد يحمل كل معاني الأنوثة التي اغتصبها ماضي الأحزان و الأوجاع ..

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق