الاثنين، 10 يونيو 2013

ترانيم الطفولة \ بقلم آمنة عمر امغيميم



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة




ترانيم الطفولة
**********
عندما يأخذني الحنين إلى مروج الماضي الذي لا يزال خصباً في ذاكرتي ، تحضرني مشاهد و مواقف و مكونات طفولتي التي وضعت الحياة أُسسها على بسيطة امتدت من مدينة آزمور مسقط رأسي و مدينة الدار البيضاء مقر سكنانا لسنواتٍ ليست بالقليلة .
طفولتي كانت مسرحاً توالت عليه الحكايات الأليمة و الجميلة و حتى المضحكة و التافهة .. كنت طفلة مليئة بالحياة ساذجة عندما أريد ، و ذكية كما أريد .. كونت شخصية قوية و مرحة بتنقلي بين بيت جدّي بمدينة المهد و بيت العائلة بالعاصمة الاقتصادية .. و كنت أعيش طفولتي بحذافرها دون تضييع للوقت و التجارب .. و بعد هذا العمر الذي مضى و أصبح جسراً يستحيل عبوره بين عمر الطفولة و عمر البلوغ أدرك أن الطفولة في كنف جدّي كانت طفولةً جميلة غنية و فريدة من نوعها ..
ترانيم طفولتي لا تفارق ذاكرتي و كثيراً ما أجدني أرددها لسبب أو لغير سبب .. هذا لأن الترانيم و الأغاني الطفولية كانت تعني لي الكثير عندما كنت صغيرة .. كثير منها كان يردد في مناسبات خاصة و لأهداف خاصة . فمثلا عندما كانت تهطل أمطار الخير بعد غياب و كتعبير عن فرحتنا نحن الأطفال بها كنا نجري تحت السحابات المغمورة بزلال تلك الحياة التي عادت لتروي جفاف التراب و القلوب .. أقدامنا حافية و رؤوسنا عارية نردد بصوت واحد متناسق مسموع :
" آ آ شْتَا تَا تَا تَا تَا
صَابِّي صَابِّي صَابِّي
آ وْلِيدَاتَكْ فِي قُبِّي
آ مُكْ تْجْرِي وْ طيح
آ بّاكْ دَّاهْ الريح
و الجميل أننا لم نكن نفهم ما نقول .. نردده و نشذوه بكل ثقة و فرحة و إتقان ظناً منّا أنها أغانٍ لجلب الخير أو ربما للشكر و الحمد ..
خلال الأيام ما قبل عيد الأضحى كنت أخرج أنا و بنات الجيران نحمل معنا أكياساً صغيرة نمرّ على كل بيوت الأزقة المجاورة لزقاقنا و نقف أمام باب كل بيت و نردد :
عَرَفَة عَرَفَة
إلى كَنْتُو تعَرْفُونَا
خَرْجُو الْمَا و رَشُّنَا
أ عَايْشَة و حليمة
طَالْعِينْ فُوقْ اللِّمَا
و اللّيمَا مَا احْلاَهَا
حَلَّلْهَا مُولاَنَا
آ دْجَاجَة عربية
طَالْعَة فَزَرْبِيَة
و تعَيَطْ بَابَا خُويَا
جِيبْ لِيَ خُلْخَالَة
بَاشْ نخَلْخَلْ هَاذْ الدار
و ذِيكْ الدار
بِالْفَانِيد و السكر
و كنا نكمل الأغنية بالدعاء لأصحاب البيت الذي كان في الغالب يتناسب مع مناسبة العيد فنقول : " سْطَحْ فُوقْ سْطَحْ الله يَعْطِيكُمْ حُولِي ينْطَحْ "
لا نغادر البيت حتى يخرج أهله لنا " صدقة العيد" و التي يجب أن تكون حفنة من الشعير أو الذرة أو القمح و حتى قطع السكر .. قليلا ما كنا نفوز ببعض الدراهم .. نقوم بجولاتنا عبر الأزقة و الدروب و عندما تمتلئ أكياسنا نعود أدراجنا فرحين بحصادنا الذي يحتفظ به أهلنا إلى يوم عيد الأضحى .. هذا المحصول من الجولات كان يعطى للكبش كآخر طعام له قبل الذبح و كنت أتسمر في مكاني أرقب لحظة وضع حفنة الحبوب و السكر في فم الكبش المسكين الذي كان يلتهمها دون علم منه أنه لن يكمل مضغها و ابتلاعها و أن حياته ما هي إلا تلك الثواني المتبقية بين حفنة حبوب و لمسة سكين حاد ..
لا تزال تهاليل أمي تكسر صمت وحدتي حين كانت تأخذ أحد إخوتي بين دراعيها و تلفه بذيول عباءتها الطويلة .. استعداداً لنومٍ هانئ .
لم أكن أضيع فرصة القيام بدور الأم التي لا تملّ من تهاليلها و ترانيمها الشجية لينام أطفالها .. فكنت حريصة على مساعدة أمي في القيام بهذه المهمة في غيابها و كنت أملأ أجواء البيت بالتهاليل التي بدل أن تساعد إخوتي على الخلود إلى النوم كانت تبكيهم و تحسيهم بغياب أمي فتتعالى أصواتهم الرنانة بكاء و صياحاً ليعلو صوتي معها ..
كنت أردد نفس الكلمات لكن بصوت و نغمة حزينة :
الله الله الله
الله أكبر
لا إله إلا الله
محمد رسول الله
نينّي يا مُومّو
حتى يطِيبْ عشَانَا
إِلَى مَا طَابْ عشَانَا
يطِيبْ عشَا جِيرَانَّا
كيف يمكن نسيان طفولة كهذه .. حياة رسمت بألوان البراءة و النقاء و صفاء الروح .. كل ذكرياتها عناوين لحكايات جميلة تدفئ لحظات العمر المرتجف في ليالي العزلة و الانفراد ..

" بقلم آمنة عمر امغيميم

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق