الأربعاء، 6 مارس 2013

1) في ظلال آية: التغابن 11







الحمد لله المنزه عن الشرك والأنداد
باعث خاتم الأنبياء هدى ورحمة للعباد
منزل الكتاب الهادي من طرق الضلالة والفساد
وصلى الله وسلم على سيد الخلق في المعاش ويوم المعاد
صاحب المقام المحمود والشفاعة يوم فضله ظاهرٌ للعيان وباد
وعلى صحبه الغر البادلين مهج النفوس والحاملين من الأكباد في سبيل الدين أكباد
والمنفقين فيه الأوقات والأبدان والأرواح ومن كل طارف مال لديهم وتلاد
فأقام الله بهم الدين ونشر على ألسنتهم كتابه وجاهدوا فيه حق جهاد
أما بعد
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)} [التغابن: 11]
إن لله تبارك وتعالى في تدبيره لهذه الحياة سنتان متكاملتان ومسلكان منسجمان في تناسق فريد لا يعيشه ولا يذوق حلاوته إلا المؤمن وليس ذلك إلا للمؤمن
سنة كونية قدرية وسنة شرعية
فالأولى عبارة عن كليات وقواعد وأحكام والثانية كذلك مثلها
إلا أن السنة الكونية لها حكم نافذ لا محالة وطريقة مسلوكة قهرا لكل الخلق لا مخرج لأحد عن سلطانها
أما السنة الشرعية فلها حكم لكن مناطه معلق بإرادة الخلق في نفاذه وضده فهي طريق ومسلك أنت مأمور بولوجه لكنه أمر لك فيه إرادة واختيار
فأنت تحيى العبودية على المسلك الأول قهرا
قد خرجت إلى الدنيا قهرا ، وتخرج منها قهرا
وفيما بين تلك وهذه تجري أحكامها عليك قهرا
فأنت عبد لربوبيته سبحانه فلتكن عبدا لألوهيته
وهي أن تحيى العبودية على المسلك الثاني فتكون عبد الرضى والامتثال والطواعية
قال سبحانه منبها لهذا المعنى {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) }
وقال عز في علاه { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15)}
ومن غاص معناه وتأمله لمدلول كلمة العبد في سياق صياغة العرب الأوائل لها تبين واتضح له جليا ما مر من المعاني
الذي أريد أن أقول
والظل الذي أريد الاستظلال به من ظلال هذه الآية
أن من بصيرة المؤمن أن يكون نظره لما يحياه ويعيشه بعينين لا بعين واحدة
العين الأولى: عين تبصر من منظار السنة الكونية
العين الثانية: عين تبصر من منظار السنة الشرعية
فلنسمهما بالعين الكونية والعين الشرعية
وبهذه النظرة الجامعة والشمولية، تصير ذا بصيرة جلية، في حِكَم فعل رب البرية، وسنته سواء منها الكونية والشرعية
ومن تجليات هذه البصيرة والظل القرآني دعاء أيوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}
ومن ظلال حكمتها ما أبانه سبحانه بقوله {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)}
فظل هذه الآية ظل وافر ومسلك راشد وبصيرة تامة وهداية هادية
فالمصائب من مفردات السنة الكونية التي هي ماضية ونافذة على الخلق كل الخلق
والايمان من السنة الشرعية التي هي مأمور بها كل مكلف من الخلق
والتيجة والثمرة لذاك التوافق واللقاء هي طمأنينة القلب التي ننشدها جميعا
فكن يا رعاكَ الله وكوني يا حفظكِ الله ولنكن جميعا عبادا لله
بتطبيق شرعه والإذعان طواعية ورضى لأمره ونهيه
كما أنك في واقعك مذعن لقضائه منصاع لحكمه
وما أجمل وأحلا في القلوب ختم الآية بذكر إحاطة علم ربي علام الغيوب
فما ابتلاك ربك إلا ليرفعك
فصاحب بلاء هذه الدار بالإيمان
وثق بربك تنل جنة الرضوان
هذا مايسر ربي ومَنَّ به من تأمل وتدبر في ظلال هذه الآية الجليلة

ما مسني قَدَرٌ بكُرْهٍ أو رضا *** إلا اهتديت به إليك طريقا
أمضى القضاء على الرضا منّي به *** إني عرفتك في البلاء رفيقا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق