الجمعة، 22 مارس 2013

نحو نقاش جاد .. معالم ومنارات





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربي ومولاي وكفى
والصلاة والسلام على الخليل المصطفى

لا يخفى على أحد أهمية الحوار، بل ضرورته في أحايين كثيرة.

ولا يغيب كذلك على الاخوة الكرام ركيزة الحوار في الخطاب القرآني، والدعوة الربانية.
فقد حاور الله في كتابه الكفار وأورد شبهاتهم ورد عليها، بل حاور إبليس {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} حاوره مع ظهور عصيانه، فسبحانه عز في علاه
وأمر انبيائه بهذا السبيل، وساروا على ذاك المنهج حتى مع أشد الناس كفرا بل كان الحوار على أعلى مكرمة من الأخلاق {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، فهذا أبو الأنبياء يحاور في التوحيد النمرود، وهذا كليم الله مع فرعون، وهذا مؤمن آل فرعون مع آل فرعون، وهذا صاحب الجنة وصاحبه، وغيره من الحوارات مما هو مليء بمثله خطاب القرآن
بل إن الحوار أحد ركائز الدعوة التي لا غنى عنها {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
وهذه إشارات فقط ورؤوس أقلام، وإلا فإن أهميته معلومة من واقع حياة كلٍ منا بالضرورة
وبذلك يصير ظاهرا لكل ذي بصيرة أهمية هذا القسم في المنتدى بل ضرورة الحوار في حياتنا
ولأجل استمرار هذا الصرح الثقافي الى علو بعقل المطلع والمحاور معا، ولأجل أن نمضي قدما بالفكر الى السمو؛ رأيت من واجب النصيحة أن أدون بعض ما أراه مما يؤخر ركب الحوار ظهريا، أو قل قد يعيق الميسرة الثقافية والفكرية التي ترجى من الحوار
وقد ارتأيت رسمها بالمعالم والمنارات لما للأخيرة من أهمية في تصويب المسار والسبيل الموصل للغاية المقصودة



المَعْلَم الأول: القصد والغاية
قال تبارك وتعالى من سورة يونس {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}
فالنية والقصد ركيزة يقوم عليها نجاح كل عمل او فشله، صلاح كل عمل أو فساده، فما كان لله دام ودام خيره، وما كان لغيره انقطع وانمحى أثره، فليكن قصدنا وجه الله ولتكن غايتنا من طرح أي موضوع للنقاش هو النظر في زوايا أُخر لموضوعك لترى من نفسك أولا صوابك من خطئك ولتطلع ثانيا على منظورات مختلفة عن منظورك فيتسع بذلك رصيدك الفكري، وتتبلور تفهمات للرؤى الأخرى لديك يعتلي بها سقفك المعرفي ويتسع رصيدك الاجتماعي
ومما هو لصيق بهذه المنارة أن تطرح ما أنت مؤمن به وما هو من صدق قناعتك لا أن تطرح ما يشد الانتباه أو يثير الفضول وتكون فكرتك في حقيقة نفسك بعيدة عما طرحته، فليس هذا من صنيع الصادق مع نفسه في شيء
ومما هو كذلك ينبني تماما على هذه المنارة أن تكون موطنا نفسك على الرد والنقد، فلست أكبر من النصح ولو كان لاذعا، ولست أعلى من التخطئة ولو على رؤوس الأشهاد، فما دمت دخلت في النقاش فقد وضعت ثقافتك وفكرتك على طبق وعرضته للناس يبدون رأيهم فيه، فلا تنكمشنّ نفسك عن قبول المخالف بصدر رحب؛ وقلب يبقى بعد النقاش مع إخوانه سليما، ومن علامات حسن القصد استواء المادح والذام تأثيرا في عمل العامل
فهل يمكن أن نرى يوما طارحا لموضوع قد مال - بعد نقاش وحوار - إلى رأي غير رأيه الأول عند بداية طرحه؟ آمل ذلك.
ومما ينبغي أيضا ذكره هنا: الحوار بطريقة التعالي والغرور واستعراض العضلات، انحرافا عن القصد السديد والنية الحسنة إلى السعي نحو إظهار من (أنا) مع نسيان للهدف من الحوار
فهو لا يعدو أن يكون إرهابا فكريا، لا يأتيه إلا ضعيف الفكرة، مستنجدا به على حساب مقارعة الحجة بالحجة.
فإن كنت أُخَيّ وأُخَيّتي مريدا وصادقا في إيصال فكرتك فخاطب المحاورين حسب ثقافتهم وعلمهم، فما كل ما يعلم يقال، وخذها حكمة ونصيحة مني "أن لكل مقام مقال".
ولتعلم بأن فوق كل ذي علم عليم، وبأن العلم بحر لايدرك قعره، ولا تحصى جواهره.
وقد قيل قديما قول الحال: بأن العالم كلما زاد علمه زاد انكساره وتواضعه، لعلمه بأن ما يعلمه نقطة في بحر ما يجهله.
وتأمَّل سبب لقيا موسى -وهو من أولي العزم من الرسل- للخضر، ولتعتبر، يظهر لك هزالة مبتغاك، وحدارة مستواك، وضياع عمرك في تتبع السفاسف دون المعالي من الأمور.

المعلم الثاني: ضوابط في النقاش الديني

وهو أخطر المعالم وأشدها أهمية

فإنه حديث عن الله وحديث عن رسوله صلى الله عليه وسلم
وهنا نقاط لا بد من مراعاتها أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الكريمة

النقطة الأولى:
يجب أن تفرق بين أمرين،
فلأن يكون الدين موضوع نقاش ذاك أمر، ولأن يكون النقاش في أمر ديني فأمر آخر.
فالأول: مرفوض تماما ومناقض لأصل إسلام المؤمن نفسه لله،
والثاني: وهو أن يكون حوارنا في أمر ديني ففيه تفصيل، يتضح بالنقطة التالية.

النقطة الثانية:
الأمور التي لها علاقة بالدين قسمان:
قسم ثابت لا خلاف فيه،
وقسم اختلفت فيه أنظار المجتهدين لاختلاف الأدلة ومآخذها، وهو ما يسمى بالخلاف المعتبر.
فالأول: لا يجوز الخوض فيه قبولا أو ردا لأنه محل اتفاق وإجماع.
والثاني: مما ساغ فيه الاختلاف والنقاش بعلم، وجاز فيه العذر، وعدم التشنيع.

النقطة الثالثة:
فرق بين أن تكسو الاسلام لباس فهمك، وبين أن تكسو فهمك لباس الاسلام.
بمعنى أن هناك فرق بين أن تعتقد شيئا وتميل إليه، ثم تسعى محاورا ومجادلا عنه، وباحثا له هنا وهناك عن دليل يعضده، أو قول يسنده،
وبين أن تأتي خلوا من الإرادات والنزوات؛ تريد الهدى من الكتاب والسنة لتعتقده وتسير عليه.
فالأول: جاء معتقدا ثم أراد أن يستدل، جاء بمخلفات حياته السابقة، وبما أصيب به فكره من لوثات العصر، جاء بكل ما يحياه قبل إسلامه لله، وأراد أن يعيش بذلك في الاسلام.
والثاني: جاء مسلما قِيادَه لربه ومولاه، يروي ظمأه المعرفي من معين رسالة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم صافية بلا كدر.

لذا كان النهج الأول مزلة أقدام، ومضلة أفهام، ولمنارة الهدى والحق ومعالمه ناقض هدام، فهو تحكيم الهوى للعقل أيما إِحكام، وكم تطاولت فيه رؤوس الغي وهي أقزام، وبسببه ضلت على مدى العصور أقوام تلو أقوام، ونشأت عليه من الفرق من خالفت منهج خير الأنام.

أما الثاني فواجب على كل مكلف أراد أن يكون عبدا للرحمن، فهو أصل منهج الانقياد لدين الاسلام والايمان والإحسان، وقطب الرحى من الإتباع لأسوة الخلق من إنس وجان، وسبب النجاة يوم الوقوف بين يدي الديان، يوم برزت للعصاة النيران، وزينت كأنها عروس.. وأزلفت.. للعابدين الجنان، فاعذروا من لشربة من حوض النبي بكفه ظمآن، أن خرج عن الحوار فقلبه بالنعيم مغرم ولهان،
فلله هي من مسرات تنسي ما في الحياة من أشجان، ويذهب ذكرها الأسى ويطفئ من القلب لهيب الأحزان.
وأرجع فأقول:
وصدق النوايا أمر لا يطلع عليه إلا ربك ومولاك،
فكن على بال من قصدك وأخلص لله نواياك،
وخلص من الأدران سرائرك عافاني وأصلحني الله وإياك.
ولن تتأتى لك هذه النقاط الثلاث إلا بالعلم وهو النقطة الرابعة من هذا المعلم، والمعلم الثالث من المعالم.
المعلم الثالث: العلم
قد قيل الكثير في فضل العلم والتنفير من الجهل، ومن أبدع ما قيل
وَفِي الْجَهْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ مَوْتٌ لأهْلِهِ *** فَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
وَإِنْ امْرَأً لَمْ يَحْيَ بِالْعِلْمِ مَيِّتٌ *** فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
وكفى بالعلم شرفا أن يدعيه من ليس من أهله
وكفى بالجهل عارا أن يتبرأ منه من كان صفة له
وليس العلم سهل المنال بل صعب المرتقى كثير الفنون عميق التشعب والفروع
لن يبلغ العلم جميعا أحدٌ *** لا ولو حاوله ألف سنه
إنما العلم عميق بحرهُ *** فخذوا من كل شىء أحسنه
فعليك بالتعلم والقراءة والاستزادة من العلم، واجعل لك من وقتك سويعات للمطالعة والبحث فــ:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح *** وخير جليس في الزمان كتاب
فعليك بالعلم، ودع عنك ما لا تحسن، فإنك واقف بين يدي ربك ومسؤول
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}
فإن كنت في المسألة خلو البال فسائل وناقش لكن لتستفيد
وذلك بطرح ما يدور بخلدك من إشكالات واستفهامات
ولا تجادل لإثبات أمر لم تتمعن فيه، ولا تعانت فيما لا علم لك به، ولا تعاند فيما لم يجل فيه فكرك يوما من دهرك
فذاك يسقط مكانتك أمام الأعضاء المتحاورين
وأخيرا فهذه مفاهيم عامة وتحتها من التفاصيل تفاصيل؛ أرجو أن يثريها النقاش حولها والحوار

ولتكن على يقين من قول ربك {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}
ولتكن على ذكر بقول الناصح مذكرا وناصحا
وكل كاتب سيفنى *** ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء*** يسرك في القيامة أن تراه
المعلم الرابع: الكلمة الطيبة
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}
فلا يجب على المؤمن أن يترك للشيطان مدخلا من خلال القول والكلمة
إن كان الهدف من أن تحاورني إبداء وجهة نظرك لي واضحة فلن تبلغ مرادك إلا بالكلمة الطيبة
وإن كانت غايتك أن توصلني للاقتناع برأيك فأنى لك ذلك وقد أغلقت مسامعي وفهمي بسوء كلامك
الكلمة الحسنة مفتاح القلوب.. والكلمة الطيبة سلوان النفوس
الكلمة الجميلة لا تنسى فهي ذكرى جميلة
الكلمة السيئة تبقى في القلب مدى حياته ندوبا إن لم تداوى تلك الجروح بالاعتراف والاعتذار
فبكلمة تؤمن، وبكلمة تكفر
بكلمة تسر، وبكلمة تساء
بكلمة تسعد، وبكلمة تحزن
بكلمة تختار مكانتك وتشيد محطتك في قلب محاورك
بكلمة تكسب أصدقاء لك وأحباء
وبكلمة تنشئ أعداء لك وبغضاء
لا تستهن بوقع الكلمة ولا بأثرها
واختر لمحاورك أطايب ما تملك من رصيد لغوي
وبادله بما تحب أن يبادلك به من كلمات
وأسمعه ما تحلو أن تسمعه منه أذناك
وضع نفسك مكانه وقس لحديثك الأمثال
وزن الأفكار قبل خروجها لعالم الأفعال والأقوال
قال الإمام الشعبي ناصحا: "عليك بالتؤدة، فإنك على فعل ما لم تفعل؛ أقدر على رد ما فعلت".
إي والله، لقد أحسنت وصدقت.. وللنصح أديت فأوفيت
فما أحق بطول سجن من لسان
وكان فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم صحبه من الدعاء "اللهِم! إني أعوذ بك من شَرِّ سمعي، ومن شَرِّ بصري، ومن شَرِّ لساني، ومن شرِّ قلبي".
وأخرج ابن ماجه من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، قال: "قل ربي الله ثم استقم". قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تخاف علي؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ثم قال: "هذا"
ولا أقول أنك ولا أنا ولا نحن جميعا معصومون
فكل بني آدم خطاء ولكن خير الخطائين التوابون
واعلم يا أُخي ويا أُخَيَّتي
أن للكلمة أثر بالغ في النفوس والقلوب سعادة أو إيلاما فرحا أو حزنا
فلتكن على ذكر من ذلك..
ولتتمهل قبل أن تتكلم.. ولتحاسب كلماتك.. فإنها إن تخرج صارت هي من يحاسبك
فكل كاتب سيفنى *** ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء*** يسرك في القيامة أن تراه
فقد تهدم الكلمة الواحدة مودة أيام عديدة لا تكاد يصلحها شيء بعد
لذا قال القائل محذرا.. وصدق إذ قال:
واحرص على حفظ القلوب من الأذى *** فرجُوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوبَ إذا تنافر ودها *** شبه الزجاجة كسرها لا يشعب
المعلم الرابع: الكلمة الطيبة
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}
فلا يجب على المؤمن أن يترك للشيطان مدخلا من خلال القول والكلمة
إن كان الهدف من أن تحاورني إبداء وجهة نظرك لي واضحة فلن تبلغ مرادك إلا بالكلمة الطيبة
وإن كانت غايتك أن توصلني للاقتناع برأيك فأنى لك ذلك وقد أغلقت مسامعي وفهمي بسوء كلامك
الكلمة الحسنة مفتاح القلوب.. والكلمة الطيبة سلوان النفوس
الكلمة الجميلة لا تنسى فهي ذكرى جميلة
الكلمة السيئة تبقى في القلب مدى حياته ندوبا إن لم تداوى تلك الجروح بالاعتراف والاعتذار
فبكلمة تؤمن، وبكلمة تكفر
بكلمة تسر، وبكلمة تساء
بكلمة تسعد، وبكلمة تحزن
بكلمة تختار مكانتك وتشيد محطتك في قلب محاورك
بكلمة تكسب أصدقاء لك وأحباء
وبكلمة تنشئ أعداء لك وبغضاء
لا تستهن بوقع الكلمة ولا بأثرها
واختر لمحاورك أطايب ما تملك من رصيد لغوي
وبادله بما تحب أن يبادلك به من كلمات
وأسمعه ما تحلو أن تسمعه منه أذناك
وضع نفسك مكانه وقس لحديثك الأمثال
وزن الأفكار قبل خروجها لعالم الأفعال والأقوال
قال الإمام الشعبي ناصحا: "عليك بالتؤدة، فإنك على فعل ما لم تفعل؛ أقدر على رد ما فعلت".
إي والله، لقد أحسنت وصدقت.. وللنصح أديت فأوفيت
فما أحق بطول سجن من لسان
وكان فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم صحبه من الدعاء "اللهِم! إني أعوذ بك من شَرِّ سمعي، ومن شَرِّ بصري، ومن شَرِّ لساني، ومن شرِّ قلبي".
وأخرج ابن ماجه من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، قال: "قل ربي الله ثم استقم". قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تخاف علي؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ثم قال: "هذا"
ولا أقول أنك ولا أنا ولا نحن جميعا معصومون
فكل بني آدم خطاء ولكن خير الخطائين التوابون
واعلم يا أُخي ويا أُخَيَّتي
أن للكلمة أثر بالغ في النفوس والقلوب سعادة أو إيلاما فرحا أو حزنا
فلتكن على ذكر من ذلك..
ولتتمهل قبل أن تتكلم.. ولتحاسب كلماتك.. فإنها إن تخرج صارت هي من يحاسبك
فكل كاتب سيفنى *** ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء*** يسرك في القيامة أن تراه
فقد تهدم الكلمة الواحدة مودة أيام عديدة لا تكاد يصلحها شيء بعد
لذا قال القائل محذرا.. وصدق إذ قال:
واحرص على حفظ القلوب من الأذى *** فرجُوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوبَ إذا تنافر ودها *** شبه الزجاجة كسرها لا يشعب
المعلم الخامس: الحوار بمودة
الوُد محبة الشيء
ولِما يأخذه الحوار من منحى الاختلاف فلا بد من بيان أمور:
الأول: أن الله عقد بين المؤمنين وشيجة الألفة والرحمة فقال سبحانه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[1] والمحبة جزء من الولاية، والمودة آصرة تماسك المجتمع المسلم ذكورا وإناثا
وأكتفي تدليلا على هذا المعنى بما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى[2] من حديث أبي أُمَامَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ائْذَنْ لِى فِى الزِّنَا، قَالَ: فَهَمَّ مَنْ كَانَ قُرْبَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَنَاوَلُوهُ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهُ". ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "ادْنُهْ، أَتُحِبُّ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِأُخْتِكَ". قَالَ: لاَ، قَالَ: "فَبِابْنَتِكَ". قَالَ: لا، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ بِكَذَا وَكَذَا كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لاَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "فَاكْرَهْ مَا كَرِهَ اللَّهُ، وَأَحِبَّ لأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ".
وفي إطار المؤمنين نتحدث فإذا كنا خارجه فلا وجود للمودة {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[3]. ويبقى الاحسان والبر والعدل.
الثاني: أن وجود الخلاف ووقوع الاختلاف أمر لم يمنعه الإسلام، لأنه مرتبط بصبغة النفس البشرية، واختلاف المحيط أو ما يسمى بالمحضن الفكري المحيط بكل واحد منا، أو غيره من أسباب الخلاف التي ليس هذا موضع ذكرها، لكن المنهج الإسلامي قيد الخلاف وأرسى له حدودا تأصيلية، ومسارات وسمات أخلاقية، وهي حديثنا هنا.
الثالث: أن نفرق أثناء الحوار واشتداده بين مناقشة الفكرة وبين صاحب الفكرة
وبين صراع أفكارنا حول المضمون والموضوع وبين صراع ذواتنا وأنفسنا

أخي الكريم أختي الكريمة
هذه مقدمات ثلاث أردت بإيرادها تباعا أن أصل بك إلى فهم معلمنا ومنارتنا هذه فهما سديدا
فعلى هذا التأصيل ومن هنا كان الحوار لا يفسد للود قضية
واختلافنا في الرأي لا يعنى عداوتنا لبعض
وأقول لك شيئا وأبوح لك بأمر:
أن محبتي لك ثابتة في قلبي
وإن خَطّأتك أو عِبت قولك فإنما شدتي لفكرتك لا لك
وتخطئتي هي لموضوعك لا لشخصك الكريم
فمودتي لك لا تتغير واعتزازي بك لا زال كما هو
فلا تَظُنّن بي الظنون.. وتأخذ على نفسك مني موقفا
وليتسع قلبك لي وصدرك لحواري
كما اتسع صدري وقلبي لك
وربي على ما أقول شهيد
ولنكن جميعا إخوانا في الله فــ:
ما كان لِله مِنْ وُدٍّ ومِنْ صِلَةٍ *** يَظلُّ في زَحْمَةِ الأَيَّامِ مَوْصُولا
يظلُّ ريّانَ مِنْ صِدقِ الوَفاءِ بِه *** يُغْني الحياةَ هُدىً قد كان مأمولا
ما أَجْملَ العُمرَ في بِرّ الوفاءِ وما *** أَحْلى أَمانيه تقديراً وتفعيلا
المعلم السادس: أنت أحد ثلاثة
المحاورون لا يخرجون في القسمة فيما بينهم عن ثلاث حالات:
الأولى: أن تكون أعلم من محاورك.. وأعلى كعبا منه.. وأمكن في الموضوع المتحاور عليه.
الثانية: أن تتساوى بنسبية ما أقدامكما، وتتماثل فيها معرفتكما، ويتشابه الفهم والقدرة الفكرية بينكما.
الثالثة: أن يكون محاورك أعلم منك وأخبر بما تتحاورون حوله.

فالأولى: تُحاور فيها لتفيد المحاور، وينبغي أن يكون قصدك أن تبلغ معرفتك له، وأن ترتفع به إلى حيث أنت، وتحرص على إيصال علمك له، بغض النظر عن تعامله معك، فليكن قصدك حسنا.. ونيتك نشر المعرفة فقط لا شيء آخر.

والثانية: هي مجال حوار الأقران، ومجال تبادل المعارف والخبرات، وتمحيص المعلومة، ومقارعة الفكر بالفكر، وقدح زناد الأفهام والعقول، وإشعال فتيل التفكر والتأمل.
فما أحلاها من مناقشة، وما أعلاه من حوار وما أحلاه، وما أرقاه من تواصل حيت تتساوى مراتب المتحاورين.

والثالثة: هي جلوس بين يدي معلم لتستفيد، تسأل سؤال المستفسر، وتناقش نقاش المنقب عن الفوائد والدرر.
فلتتحلى فيها بلباس الأدب، ولتكتسي برداء الخلق الحسن، وأن توطن نفسك على أن تخرج من الحوار وقد ملأت جرابك بفوائد جديدة وعلم عليك جديد.

وأختم بما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي اللغوي المعروف:
"أيامي أربعة:
يوم أخرج فألقى فيه من هو أعلم مني فأتعلم منه، فذلك يوم فائدتي وغنيمتي.
ويوم أخرج فالقي فيه من أنا أعلم منه، فذلك يوم أجرى.
ويوم أخرج فألقى فيه من هو مثلي فأذاكره، فذلك يوم درسي.
ويوم اخرج فألقى فيه من هو دوني وهو يرى أنه فوقي، فلا أكلمه وأجعله يوم راحتي".(1)
وقد أخصص للصنف الرابع-لذيوعه وكثرته- معلما ومنارة خاصة إن يسر الله
المعلم السابع: الإنصاف
كثيرا ما يحور الحوار إذا لم يكن منضبطا للخروج عن الاعتدال ساقطا في أحد النقيضين من غلو أو جفاء
قال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} [المائدة: 8]
وقال عز في علاه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90]
وقال {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) } [النساء: 58، 59]
وسأكتفي من كلام علمائنا على إمامين جليلين
قال ابن القيم رحمه الله:
"والله تعالى يحب الانصاف بل هو افضل حلية تحلى بها الرجل خصوصا من نصب نفسه حكما بين الاقوال والمذاهب وقد قال الله تعالى لرسوله وأمرت لأعدل بينكم فورثة الرسول منصبهم العدل بين الطوائف وألا يميل احدهم مع قريبه وذوي مذهبه وطائفته ومتبوعه بل يكون الحق مطلوبه يسير بسيره وينزل ينزوله يدين بدين العدل والإنصاف ويحكم الحجة وما كان عليه رسول الله وأصحابه فهو العلم الذي قد شمر إليه ومطلوبه الذي يحوم بطلبه عليه لا يثنى عنانه عنه عذل عاذل ولا تأخذه فيه لومة لائم ولا يصده عنه قول قائل". (إعلام الموقعين 3/ 94)
وقال شيخ الاسلام:
"والله قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق وألا نقول عليه إلا بعلم وأمرنا بالعدل والقسط فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني فضلا عن الرافضي قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق ولهذا جُعل هذا الكتاب منهاج أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيع والقدرية فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة ردوا ما تقوله المعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع بكلام فيه أيضا بدعة وباطل وهذه طريقة يستجيزها كثير من أهل الكلام ويرون أنه يجوز مقابلة الفاسد بالفاسد لكن أئمة السنة والسلف على خلاف هذا وهم يذمون أهل الكلام المبتدع الذين يردون باطلا بباطل وبدعة ببدعة ويأمرون ألا يقول الإنسان إلا الحق لا يخرج عن السنة في حال من الأحوال وهذا هو الصواب الذي أمر الله تعالى به ورسوله ولهذا لم نرد ما تقوله المعتزلة والرافضة من حق بل قبلناه ". (منهاج السنة النبوية 2/ 342)
رزقنا الإنصاف في القول والعمل
 
 
 
   
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق