الأحد، 24 مارس 2013

3) في ظلال آية البقرة 216







الحمد لله ربي منزه عن الشرك والأنداد
منزل الكتاب الهادي من طرق الضلالة والغي والفساد
وصلى الله وسلم على سيد الخلق في المعاش ويوم المعاد
صاحب المقام المحمود، والشفاعة، يوم فضله ظاهرٌ للعيان وباد
وعلى صحبه الغر البادلين مهج النفوس والحاملين في سبيل الدين أكباد
والمنفقين فيه الأوقات، والأبدان، والأرواح ومن كل طارف مال لديهم وتلاد
فأقام الله بهم الدين ونشر على ألسنتهم كتابه إلى العالمين وجاهدوا فيه حق جهاد

أما بعد
فآية الظلال في هذا اللقاء هي قوله تعالى من سورة البقرة (الآية216)
{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
جاء هذا البيان تماما بعد حكم الله وذكره وجوب الجهاد {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ }
وهذا الكَتب هنا كتب شرعي فهو كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } [البقرة: 183]
وليس كتبا كونيا كقوله تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)} [الأنبياء: 105]
وحكمة الله لا تنفك عن كلتي الكتابتين سواء منها الشرعية أو الكونية لذا قال سبحانه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
والمتأمل في سياق الآية يرى أن الباري لما أراد أن يذكر قِصر ومحدودية علم الإنسان - بحقيقة مصالحه ومكامن الخيرية، وبمآلات أحكام ربه، وما فيها من منافع إن عاجلة أو آجلة له في القتال،- لما أراد بيان ذلك، ذكره على العموم، وقَعَّد له أصلا ثابتا لا يتغير، فلم يربطه بما سبق، بل جعله شاملا له ولغيره، فقال سبحانه {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}
وتدبر كلمة "شيء" وتنكيرها في السياق يتضح لك ما سلف من المعاني

والذي أريد أن أقول، والظل الذي أريد الاستظلال به من ظلال هذه الآية
أنك إذا سبحت بفكرك متأملا غاية الوجود وحكمة الخلق
وتأملت تباين أحوال الناس في خِلْقَتهم ومعيشتهم وتفاوت مراتبهم وعقولهم
ظهر لك من الحِكم ما يفوق أغلب بني الإنسان عن إدراكه
أدعوك لأن تنير بصيرة قلبك
لترى أنك مدرك وبالغ بإعاقتك ما خُلِقت له وما أُوجدت من أجله
هل فكرت وجال ذهنك يوما ما في هذا المعنى
فأنا أحكي لك هنا تفكيري ومراجعاتي مع نفسي
فلولا إعاقتي ما أظن أني تعرفت عليكم ولا كنت هنا بينكم
إني من يوم أن أدركت هذا المعنى تحول دعائي وصارت لربي مناجاتي أن أقول:
"اللهم إني رضيت بك ربا لك الأمر كله ولك الحكم كله
فاللهم اكتب لي الخير حيث كان
اللهم إني لا أسألك ولا أرفع بصري بالدعاء إليك إلا بما يقربني منك وإليك"

أُخَيّ.. أُخَيّتي
لقد كرهنا الإعاقة ببصرنا.. ولم ندرك خيرها ببصيرتنا وإيماننا بربنا
إنك لا تدري.. كيف يكون حالك.. ولا كيف مآلك.. لو كنت كما تتمنى أن تكون
إنك لا تدري.. هل كنت ستكون بيننا.. تخط هنا أطايب الكلام.. وتنثر محاسن الأخلاق.. وتنشئ علاقات وصداقات طيبة.. وأخوة في نقاءٍ راقٍ وصفاء.. لو لم تكن صاحب ابتلاء
إنك لا تدرين.. أتكونين هنا تكتبين عن دين محمد صلى الله عليه وسلم.. وعن سنته.. وعن أخلاق الإسلام.. أم أين كنت تراك تكونين
لقد قسم ربي الأرزاق بعلمه وقدرته.. وفاوت بين مراتب الخلق بعزته وحكمته
فمنا غني وفقير.. ومنا معافى ومبتلى.. ومنا سعيد وحزين
انه قضاء من حكيم عليم.. رضينا به ربا.. فربك يخلق ما يشاء ويختار
فليكن شعارنا في هذه الحياة ونور درب بلائنا في الدنيا {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
آمنت بك ربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق