الأحد، 10 مارس 2013

2) في ظلال آية: الروم 54




الحمد لله ربي منزه عن الشرك والأنداد
منزل الكتاب الهادي من طرق الضلالة والغي والفساد
وصلى الله وسلم على سيد الخلق في المعاش ويوم المعاد
صاحب المقام المحمود، والشفاعة، يوم فضله ظاهرٌ للعيان وباد
وعلى صحبه الغر البادلين مهج النفوس والحاملين في سبيل الدين أكباد
والمنفقين فيه الأوقات، والأبدان، والأرواح ومن كل طارف مال لديهم وتلاد
فأقام الله بهم الدين ونشر على ألسنتهم كتابه إلى العالمين وجاهدوا فيه حق جهاد
أما بعد
آية الظلال: قوله تعالى من سورة الروم (الآية54)
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)}
"ومن حكمته أن يري العبد ضعفه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا. وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه". انتهى

تفسير السعدي (ص: 644)


إن الله تبارك اسمه وتقدست أسماؤه وصفاته قد كتب قدرا من النقص على كل جزئيات هذه الحياة الدنيا
لتشكل بمجموعها لا بمفرداتها صوة متكاملة لجمال الحياة المادي والمعنوي
فالحكم بالنقص على مفردات الخلق سنة كونية ومشيئة قدرية، لا مناص للخلق عنها
ولا بد أن تكون من مرتكزات عقيدة الإنسان وتصوره عن هذه الحياة
لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيب العيش إنسان
ليكون كمالي بك، وكمالك بي، وكمالنا بغيرنا، فالمرأة تسد نقص الرجل، كما أنه يسد نقصها
ولتبتلى بي، وأبتلى بك، ويبتلينا الله بغيرنا، ويبتلي غيرنا بنا بما أوتينا، سواء من صحة ومرض، أو غنى وفقر، أو حاكم ومحكوم
فالنظر بهذه العين القدرية لمجريات الحياة؛ ضرورة وحاجة ماسة وملحة، لتدور عجلة الحياة وتسير
فانظر بها لمن أساء إليك؛ لتصفح عنه، وتعفو من قلبك
وانظر بهذه العين وتأمل بها الحياة؛ ليبصر قلبك سير الخلق كل الخلق في تناسق محكم
فلولا العمال ما كان رب العمل.. ولولا الخطأ ما عرف الصواب.. ولولا الذنب ما حصلت التوبة.. ولولا الدنيا ما أُقيمت الآخرة
من الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط
والذي أريد أن أقول، والظل الذي أريد الاستظلال به من ظلال هذه الآية
أن تسير ببصيرتك متدبرا في الحياة لترى النقص لازب لكل مفرداتها ولازم
لا تحسبن سرورا دائما أبدا *** من سره زمن ساءته أزمان
ونحن ذوو الإحتياجات الخاصة جزء من هذه الحقيقة لسنا بدعا عن هذا الأمر، ولسنا نشازا أو شذوذا، بل نحن سنة إلهية، وحكمة من الحكم الربانية
وهذه الدار دار بلاء وتصفية واختبار
لا مفر من ذلك ولا مناص لأحد ولا اختيار
والنقص من منظار هذه العين شامل لكل الخلق، وإعاقة الأبدان جزء من معاني وتجليات هذا النقص
فلا تحقرن نفسك أخي وإن انتقصوك.. ولا تهيني نفسك يا أختي وإن ظلموك
وارفع رأس شموخك إلى الأعلا بعزة، فأنت مكرم باصطفاء ربك لكل بني آدم
فكلنا من أبناء الفناء.. سواء كنت معافى أو صاحب ابتلاء
واعلم أن كمالك إنما هو بربك ومولاك
هذا مايسر ربي ومَنَّ به من تأملٍ وتدبرٍ في ظلال هذه الآية الجليلة
وأختم بما قدم به أبو البقاء الرندي مرثيته لإشبيلية حيث قال:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ *** فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دُولٌ *** مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد *** ولا يدوم على حالٍ لها شان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق